الوقاية من ارتفاع ضغط الدم ــ1

يظهر مرض ضغط الدم المرتفع نتيجة التفاعل بين الاستعداد الوراثي أو العوامل الوراثية ، وبين العوامل البيئية. وكثيراً ما يلعب الشق البيئي وأسلوب المعيشة ، والتغذية الخاطئة دوراً مهماً في حدوث المرض وتطوره وازدياد شدته خاصة مع تقدم العمر . ونظراً لأنه في المرحلة الحالية من التقدم العلمي لا يمكن عمل الكثير بخصوص العوامل الوراثية ، لذلك اتجهت جهود العلماء للوقاية من المرض إلى التركيز على بحث دور العوامل البيئية المحيطة بالإنسان وطريقة معيشته وحركته وعمله وشرابه وطعامه والجو المحيط به ، خاصة وقد تبين أن المرض لا يكون بالضرورة مصاحباً لتقدم السن . هذا وقد أشارت الدراسات الوبائية والسكانية التي أجريت على عينات مختلفة من الأفراد الأصحاء والمرضى في مناطق جغرافية متباينة من العالم وعلى أجناس مختلفة وتحت ظروف بيئية متنوعة ، إلى وجود تباين في معدلات الإصابة بهذا المرض بين المجتمعات المختلفة ، بين الأفراد الذين يعيشون في نفس المكان.

ــ تشير بعض الدراسات الطريفة إلى حدوث تغير في مستوى ضغط الدم واتجاهه إلى الارتفاع عند الهجرة من الريف إلى الحضر ، ومن المناطق النائية إلى المناطق الأكثر ازدحاماً . وأن الفقر والتكدس السكاني وافتقاد دفء الحياة الأسرية ، بالإضافة إلى العادات السيئة والنزوع إلى السلوك العدواني ــ كل هذا يعمل على زيادة معدلات الإصابة بارتفاع ضغط الدم.

وقد دلت الدراسات التي أجريت بمصر ، في إطار المشروع القومي المصري لارتفاع ضغط الدم ، على حدوث زيادة في معدلات الإصابة بالمرض في الحضر مقارنة بالريف. كما أشارت هذه الدراسات إلى اختلاف معدلات انتشار المرض في محافظات مصر المختلفة ، على الرغم من الانتماء لنفس الجنس والأصول الوراثية ، مما يدعم أهمية دور البيئة.
ونظراً لأن مرض ارتفاع ضغط الدم من الأمراض واسعة الانتشار ،وأن علاجه يستمر سنوات طويلة ـ وفي الغالب طوال حياة المريض ـ لذلك فإن تحديد العوامل البيئية المؤدية لظهور المرض والعمل على تجنبها ، يمثل حجر الزاوية للوقاية والحد من انتشار المريض وخفض معدل استهلاك الدواء.

طرق الوقاية من ارتفاع ضغط الدم :
في الواقع توجد أكثر من سياسة وقائية لمنع حدوث أحد الأمراض أو لإيقاف تطوره ، ولكن قبل تطبيق السياسة يلزم أولاً معرفة طبيعة الأفراد أو الطوائف الموجه إليهم البرنامج الوقائي . إذ أن هناك نوعين من السياسة الوقائية : النوع الأول عبارة عن سياسة عامة موجهة إلى جميع أفراد المجتمع ، أما النوع الثاني فموجه إلى الأفراد الأكثر عرضة من غيرهم للإصابة بالمرض وبمضاعفاته الخطيرة . ويعتمد النوع الأول على زيادة الوعي الصحي بين المواطنين واتباع الإرشادات العامة مثل : تطعيم الأطفال وممارسة العادات الصحية السليمة ، بينما يميل النوع الثاني لأن يكون أكثر تحديداً . غير أنه لابد من الإشارة إلى أن كلاً النوعين مطلوب ، وأنهما يكملان بعضهما البعض.
وتعتمد السياسة الوقائية الموجهة إلى الأفراد المعرضين للإصابة بالمرض على العوامل الآتية:
ــ تحديد أفراد المجتمع الأكثر عرضة من غيرهم للإصابة بالمرض ومضاعفاته.
ــ التعرف على العوامل البيئية المشجعة على حدوث المرض.
ــ وضع برنامج وقائي فعال على المستوى القومي.
ــ متابعة تنفيذ البرنامج الوقائي القومي.

تحديد الأفراد الأكثر عرضة للإصابة بالضغط المرتفع:
تشير الدراسات الميدانية والوبائية إلى أن المجموعات الآتية من الأفراد يكونون أكثر عرضة من غيرهم للإصابة بارتفاع ضغط الدم:

1ـ الأفراد الذين يزيد ضغط الدم لديهم على الضغط المثالي ، أو يميل الضغط لديهم للارتفاع وإن ظل في الحدود الطبيعية ، وبالتحديد الضغط السيستولي الذي يتراوح في هذه الحالة بين 130 ـ 139 مم زئبق ، أو الضغط الدياستولي الذي يتراوح بين 85 ـ 89 زئبق . فقد تبين من خلال متابعة هؤلاء الأفراد على مدار سنوات أن ضغط الدم لدى نسبة منهم يستمر في الارتفاع حتى الحدود المرضية.

2ـ عند وجود تاريخ مرضي في الأسرة للإصابة بارتفاع ضغط الدم. إذ تبين أنا العامل الوراثي له تأثير قوي في انتشار المرض بين أفراد الأسرة الواحدة. فوجود ارتفاع في ضغط الدم لدى الوالدين أو الإخوة يجعل الفرد أكثر عرضة للإصابة بالمرض خاصة مع تقدم العمر.

3ـ الأفراد ذوو البشرة السوداء أو المنحدرون من أصول زنجية. فقد لوحظ أن مرض ضغط الدم المرتفع يصبح أكثر انتشاراً ، وتقل استجابته للعلاج وتزداد مضاعفاته في حالة الأفراد ذوي البشرة الداكنة أو شديدة السواد . ويبدو هذا جلياً في الزنوج الأمريكيين ، حيث يعد ارتفاع ضغط الدم ومضاعفاته الخطيرة من المشاكل الصحية المهمة المنتشرة بينهم . ومن ناحية أخرى ، أجريت عدة دراسات مبدئية في مصر ، في إطار المشروع القومي المصري لارتفاع ضغط الدم ،وذلك باستخدام جهاز قياس الموجات الضوئية لتحديد درجة لون البشرة بدقة . وقد توصلت هذه الدراسات إلى أن هناك علاقة بين درجة سواد البشرة وارتفاع ضغط الدم ، خاصة في السيدات ، مما يجعلهن من أكثر المجموعات المعرضة للإصابة بمرض ضغط الدم المرتفع.

4ـ الأفراد المصابون بزيادة الوزن أو البدانة الواضحة . إذ توجد علاقة وثيقة بين السمنة الزائدة وارتفاع ضغط الدم. بل إنه يمكن اعتبار هذه العلاقة خطية بحيث إن كل زيادة في وزن الجسم تصحبها زيادة في ضغط الدم ، والعكس صحيح ، أي أن إنقاص الوزن الزائد لدى مرضى الضغط المرتفع يصحبه انخفاض في ضغط الدم . وقد وجد أن إنقاص الوزن بحوالي خمسة كيلوجرامات يؤدي إلى انخفاض الضغط لدى المرضى السمان ، ويزيد من درجة استجابتهم للعلاج. لذلك كله فإن الأفراد ذوي الوزن الزائد يكونون أكثر استعداداً للإصابة بالضغط المرتفع عن الأفراد النحاف.

5ـ الإسراف في تناول ملح الطعام إذ يغالي البعض في إضافة ملح الطعام ويكثرون من تناول الأغذية الغنية بأملاح كلوريد الصوديوم (ملح الطعام) كالحوادق والمخللات والجبن والأغذية المحفوظة والمعلبات . وعند توافر الاستعداد الوراثي ، ومع تقدم السن ، تزداد قابلية هؤلاء الأفراد للإصابة بارتفاع الضغط.

6ـ الابتعاد عن الرياضة البدنية وندرة المجهود العضلي أو الجسماني ، والركون إلى حياة الدعة والكسل . ومثل هؤلاء الأفراد يصبحون على المدى البعيد عرضة للإصابة بارتفاع ضغط الدم.

7ـ إدمان تعاطي الكحوليات. إذا يعتبر ارتفاع ضغط الدم أحد الآثار الضارة المترتبة على الإسراف في تناول المشروبات الكحولية ، لذلك تزداد معدلات الإصابة بهذا المرض بين مدمني الكحول.

8ـ الإصابة بمرض السكر. إذ أن مرضى السكر يكونون أكثر عرضة للإصابة بمرض الضغط المرتفع في مختلف مراحل العمر.

يجب أن تحظى المجموعات السابقة من الأفراد برعاية خاصة في البرنامج الوقائي ، وأن توجه إليهم النصائح والإرشادات اللازمة بخصوص تغيير النمط المعيشي. كذلك يجب متابعة قياس ضغط الدم عند هؤلاء الأفراد بطريقة منظمة ودورية ـ مرة واحدة كل سنة على الأقل ـ مع التأكد باستمرار من فاعلية البرنامج الوقائي.


فاعلية الطرق المختلفة للوقاية من ارتفاع ضغط الدم :
دلت التجارب العلمية والدراسات الميدانية المختلفة على أن الطرق الآتية تتميز بفاعلية واضحة في الوقاية من ارتفاع ضغط الدم:
ــ التخلص من الوزن الزائد.
ــ الإقلال من الملح(الصوديوم) في الطعام.
ــ عدم الإكثار من تناول الكحوليات.
ــ بذل مجهود عضلي وجسماني بصورة منتظمة.
ــ تغيير النظام الغذائي ، بالإكثار من الفواكه والخضروات وتجنب الدهون خاصة منتجات الألبان.

بالإضافة إلى هذه الطرق توجد وسائل أخرى أقل فاعلية ، أو لم تثبت التجارب العلمية جدواها بصورة قاطعة ، وهي تشمل:
ــ معالجة التوتر والقلق العصبي.
ــ زيادة عنصر البوتاسيوم في الطعام.
ــ تناول الأطعمة الغنية بأملاح الكالسيوم وأملاح الماغنسيوم.
ــ زيادة كمية الألياف في الطعام.

التحكم في الوزن والتخلص من السمنة:
تشير معظم الدراسات إلى أن السمنة المفرطة تزيد بحوالي مرتين إلى ست مرات معدلات الإصابة بارتفاع ضغط الدم. ويمكن حساب الوزن الزائد بطريقة دقيقة عن طريق معادلة خاصة تعرف باسم "مقياس كتلة الجسم" وهي عبارة عن قسمة وزن الفرد بالكيلو جرامات على طوله بالأمتار المربعة . فإذا زاد هذا المقياس على 30 كجم/المتر المربع ، كان الفرد يعاني من سمنة مفرطة تصحبها زيادة في معدلات الإصابة بأمراض الشرايين التاجية وارتفاع ضغط الدم.
fat

ــ وجد أنه في حوالي عشرين إلى ثلاثين في المائة من حالات ضغط الدم المرتفع ، تشكل زيادة الوزن المفرطة أحد المسببات الرئيسية لارتفاع الضغط.

وقد أظهرت التجارب التي أجريت في إطار برامج مكافحة ارتفاع ضغط الدم واستمرت خمس سنوات ، أن كل نقص في الوزن يبلغ 2.25 كجم يصحبه انخفاض الضغط السيستولي بــ 1.3 مم زئبق، وانخفاض الضغط الدياستولي بــ1.2 مم زئبق . وعلى الرغم من أن هذه التغيرات في الضغط قد تبدو طفيفة ، فإن التجارب على مدار خمس سنوات كما أشرنا ، تؤكد انخفاض معدلات الإصابة بارتفاع ضغط الدم بحوالي خمسين في المائة.

ومن ناحية أخرى ، أجريت دراسة موسعة عن الوقاية من ارتفاع الضغط على 564 شخصاً واستغرقت 18 شهراً ، وقد أظهرت النتائج أن إنقاص الوزن بمقدار 8.5 رطل (حوالي 4 كيلو جرامات) يصحبه انخفاض في كل من الضغط السيستولي والدياستولي ، يبلغ 2.9 مم زئبق و 2.3 مم زئبق على الترتيب . كما تبين أن هناك ارتباطاً بين درجة انخفاض الضغط ودرجة إنقاص الوزن ، بحيث إن تقليل الوزن بحوالي 12 كجم أدى إلى انخفاض الضغط السيستولي والدياستولي بمقدار 21 مم زئبق و 13 زئبق على الترتيب.