مقدمة عن ضغط الدم

ارتفاع ضغط الدم أحد الأمراض واسعة الانتشار في مختلف أنحاء العالم . وتكمن خطورة هذا المرض في أنه يعتبر السبب الرئيسي لكثير من أمراض القلب والشرايين ، وأنه إذا أهمل علاجه أدى ذلك لمضاعفات خطيرة قد تنتهي بالعجز أو الوفاة.
وقد تغيرت صورة مرض ضغط الدم المرتفع في النصف الثاني من القرن العشرين بفضل اكتشاف عدد من الأدوية الفعالة الخافضة للضغط.وجدير بالذكر أن أحد رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية في بداية الأربعينات (روزفلت) فقد حياته على إثر نزيف بالمخ نتيجة تقدم إصابته بمرض ارتفاع ضغط الدم .وقد حدث في السنوات الأخيرة تقدم هائل في طرق البحث العلمي ،وأمكن عن طريق الدراسات الميدانية والإكلينيكية والتجريبية معرفة الكثير من العوامل المؤدية إلى حدوث هذا المرض ،والطرق المثلى للتشخيص والوقاية والعلاج . ولحسن الحظ ، فإنه عن طريق الأدوية الحديثة التي أضيفت إلى ترسانة العقاقير الخافضة للضغط ،يمكن خفض الضغط إلى المعدلات الطبيعية مما يضمن الوقاية من مضاعفات المرض وعلى رأسها انفجار شرايين المخ وهبوط القلب وفشل الكليتين.
لكن على الرغم من البحوث العلمية المكثفة وانتشار الدوريات والجمعيات والمؤتمرات العلمية المتعلقة بمرض ارتفاع ضغط الدم ، مازال المرض يكتنفه كثير من الغموض. ففي الغالبية العظمى من المرضى لا يوجد سبب معروف لارتفاع الضغط ، وبالتالي فإن العلاج في هذه الحالة لا يمثل حلاً جذرياً للمشكلة ، بل يخفض الضغط المرتفع فقط . لذلك يضطر المريض إلى تناول العلاج الخافض للضغط بصفة مستمرة ، وفي الغالب طوال الحياة ، حيث إن توقفه عن العلاج سيؤدي إلى ارتفاع الضغط مرة أخرى . وفي إطار الجهود العلمية الحثيثة لكشف أسرار ارتفاع ضغط الدم ، يقوم العلماء حالياً بمحاولة فصل المورثات (الجينات) التي يعتقد أنه مسئولة عن حدوث المرض ،بالإضافة إلى تحديد العوامل المشجعة على ارتفاع ضغط الدم ، مثل ملح الطعام والإسراف في تعاطي الكحوليات ، السمنة المفرطة والتوتر العصبي.

مرض ارتفاع ضغط الدم في مصر:
لم تتوافر المعلومات الدقيقة والإحصائيات الموثوق بها عن مدى انتشار مرض ضغط الدم المرتفع بين المصريين إلى من سنوات قليلة نسبياً.فقد تمكن الباحثون المصريون ، ولأول مرة ، من تحديد حجم المشكلة على المستوى القومي. وتم هذه من خلال المشروع القومي المصري لارتفاع ضغط الدم ، وهو يعتبر أول دراسة من نوعها في العالم العربي والعالم الثالث ، وقد توصلت هذه الدراسة إلى تحديد معدلات الإصابة بين المصريين في مراحل العمر المختلفة ، في الذكور والإناث وأبناء الحضر والريف , ومعرفة كثير من العوامل البيئية بارتفاع الضغط الدموي بالإضافة إلى الكشف عن مضاعفات المرض ومعدلات العلاج وسببه التحكم في الضغط المرتفع ، ومعدلات الإصابة بالأمراض الأخرى المشجعة على حدوث تصلب الشرايين ، والتي تزداد لدى مرضى الضغط المرتفع مثل : البول السكري وزيادة كولسترول الدم والسمنة المفرطة.
وتشير نتائج هذا المشروع القومي الذي قام بالتخطيط له وإجرائه علماء مصريون ـ بدعم مادي من الحكومتين المصرية والأمريكية ـ إلى أن 26.3 في المائة من المصريين فوق سن الخامسة والعشرين مصابون بارتفاع ضغط الدم.

تأمل الرسم البياني التالي 

ارتباط مرض ضغط الدم المرتفع بأمراض القلب والشرايين:
يشير عدد كبير من الدراسات الميدانية والإكلينيكية إلى أن مريض ضغط الدم المرتفع يكون عرضة للإصابة بمرض السكر واختلال نسبة الدهون في الدم والسمنة ، وكلها عوامل تعمل على الإسراع بعملية تصلب الشرايين وضيقها في سن مبكرة ، مما يؤدي
Cardiovascular
لمضاعفات خطيرة في القلب والمخ والكليتين . كذلك تبين أن ارتفاع ضغط الدم لدى كثير من المرضى يمثل إحدى العلامات الدالة على حدوث اختلال شامل في أجهزة الجسم المختصة بالتمثيل الغذائي وتجلط الدم.كما لوحظ وجود زيادة في إفراز هرمون الأنسولين من البنكرياس ، تصحبها زيادة في الوزن مع تجمع الشحوم في جدار البطن وفيما بين الأمعاء ، وميل سكر الدم والدهون الثلاثية إلى الارتفاع ، وزيادة قابلية الدم للتجلط مع تضخم عضلة القلب.كل هذا يشير إلى أهمية إجراء الفحوص المعملية اللازمة لاكتشاف الخلل في أجهزة الجسم المختلفة الذي يصحب ارتفاع ضغط الدم . ذلك أن زيادة الدهون والسكر في الدم لا يمكن الكشف عنها إلا عن طريق التحليل المعملي . وكما ذكرنا ، فإن اكتشاف هذه الزيادة وعلاجها يحمي مريض ضغط الدم المرتفع من المضاعفات الخطيرة للمرض. وفي هذا الصدد تشير نتائج دراسات المشروع القومي المصري لارتفاع ضغط الدم إلى أن معدل الإصابة بمرض السكر في الذكور المصابين بضغط الدم المرتفع يبلغ 9.7 في المائة ، بالمقارنة بــ 3.1 في المائة في حالة الذكور ذوي الضغط الطبيعي ، بينما يصل في السيدات المصابات بارتفاع الضغط إلى 11.30 في المائة ، مقابل 5.7 في المائة في حالة السيدات ذوات الضغط الطبيعي.
خطورة مرض ارتفاع ضغط الدم:
في معظم المرضى لا يسبب ارتفاع ضغط الدم أي أعراض أو شكوى ، إلا إذا حدثت مضاعفات خطيرة للمرض ، لذلك يعرف باسم القاتل الصامت . وهذا هو أحد أسباب خطورة هذا المرض. فالطريقة الوحيدة لاكتشافه تكون من خلال قياس ضغط الدم بواسطة الجهاز المعد لذلك. وخلافاً للفكرة السائدة بين كثير من الناس ، فليس الصداع والدوخة وطنين الأذن أو نزيف الأنف أعراضاً تصيب مريض الضغط المرتفع وحده ، إذ تنتشر أيضاً بنفس النسبة تقريباً بين الأشخاص ذوي الضغط الطبيعي. وكثيراً ما يصل مستوى ضغط الدم إلى أرقام عالية خطيرة تزيد على 200/130 ملليمتراً من الزئبق ، دون أن يسبب ذلك أي شكوى للمريض ، خاصة في حالات ارتفاع الضغط المزمن.
وترجع خطورة ارتفاع ضغط الدم إلى تأثيره المباشر على القلب والكليتين والمخ وشرايين الجسم المختلفة . إذ يعد ضغط الدم المرتفع السبب الرئيسي لانفجار شرايين المخ وحدوث نزيف داخل الدماغ ، وما يتبع ذلك من تعرض المريض للشلل والعجز ثم الوفاة، وهناك أيضاً علاقة وثيقة بين الإصابة بضغط الدم المرتفع وتضخم عضلة القلب ، والإسراع بعملية تصلب الشرايين وضيقها نتيجة ترسب الدهون على جدرانها مما يؤدي لانسدادها .لذلك فهو أحد الأسباب الرئيسية للإصابة بضيق الشرايين التاجية التي تغذي عضلة القلب ، والتي قد يؤدي انسدادها إلى حدوث تلف بعضلة القلب و ما يتبع ذلك من مضاعفات خطيرة قد تفضي إلى الوفاة.
كما أن ضغط الدم المرتفع يؤدي في المدى البعيد إلى تدمير شرايين الكليتين ، ويصحب ذلك تدهور في وظائفها ينتهي بالفشل الكلوي المزمن ، وفي بعض الأحيان قد يتسبب ارتفاع ضغط الدم في حدوث تشقق في الشريان الأورطي(الأبهر) وانفجاره. كذلك قد يتطور ارتفاع ضغط الدم إذا أهمل علاجه ، فيدخل في مرحلة متقدمة تعرف بارتفاع ضغط الدم الخبيث الذي يصحبه تدمير شامل لشرايين الجسم الدقيقة ، وما ينجم عن ذلك من فشل يصيب أجهزة الجسم المختلفة . من هنا تبرز أهمية قياس ضغط الدم بانتظام بغية تشخيص المرض وعلاجه في مراحله المبكرة ، وبالتالي تجنب مضاعفاته الخطيرة . كذلك ينصح باتباع العادات الصحية السليمة مثل : تجنب السمنة وزيادة الوزن ، والامتناع عن التدخين والكحوليات و، والإقلال من ملح الطعام , وممارسة الرياضة البدنية بصفة منتظمة ، والإقلاع عن العادات الغذائية السيئة ، وتجنب الانفعالات والتوترات العصبية الزائدة ، وعلاج أي زيادة في دهون أو سكر الدم.