الأدوية الخافضة للضغط المرتفع

لم يتوصل العلم إلى العلاج الفعال لارتفاع الضغط إلا في النصف الثاني من القرن العشرين . وقد شهدت السنون الأخيرة من القرن العشرين طفرة في الأدوية المستخدمة لخفض الضغط المرتفع. واستحدثت مجموعات من العقاقير الفعالة والمأمونة وذات الآثار الجانبية المحدودة لعلاج مرضى الضغط ، مما منع ظهور مضاعفات هذه المرض وأتاح للمريض فرصة الحياة بصورة طبيعية . وعلى الرغم من كثرة الأدوية المسجلة عالمياً لعلاج الضغط المرتفع ، فإن العلم لم يتوصل بعد إلى العقار المثالي . ومازال العلماء المعنيون بصناعة الدواء يكتشفون كل عدة أعوام مجموعات دوائية جديدة ، أو يدخلون تعديلات في تركيب الأدوية المتداولة بالفعل ، آملين من وراء ذلك الحصول على الدواء المثالي لعلاج ارتفاع الضغط.

خواص العقار المثالي لخفض ضغط الدم:
1ـ يجب أن يكون هذا العقار فعالاً في خفض ضغط الدم المرتفع لدى نسبة كبيرة من المرضى . وللأسف لا يوجد حتى الآن عقار واحد يمكنه خفض الضغط لدى جميع المرضى ، ومعظم العقاقير المتداولة تحدث أثرها العلاجي في نسبة لا تتعدى 50% من المرضى.
2ـ يجب ألا يؤثر العقار على كيمياء ومركبات الدم أو أجهزة الجسم المختلفة .فبعض العقاقير غير المستحبة قد تؤدي إلى نقص في مستوى البوتاسيوم بالدم أو تسبب زيادة في معدل حمض البوليك أو السكر أو الدهون بالدم.
3ـ يجب أن يكون العقار خاليا من الآثار الجانبية التي قد تسبب بعض المضايقات للمريض مثل : الصداع والميل للنعاس ، وفقدان الانتصاب لدى الرجال ، واضطرابات الجهاز الهضمي وتورم الساقين.
4ـ يجب أن تستمر فاعلية الدواء طوال الأربع والعشرين ساعة ، بحيث يمكن عن طريق تناول جرعة واحدة من الدواء في اليوم خفض الضغط للمستوى المطلوب خلال الليل والنهار.
5ـ يفضل في العقار الخافض للضغط المرتفع أن تكون له القدرة أيضاً على منع ظهور ، وعلاج ، مضاعفات الضغط مثل تضخم البطين الأيسر للقلب وتصلب الشرايين وفشل الكليتين.
6ـ يجب أن يكون ثمن العقار معقولاً وفي متناول عامة الناس ، حيث إن علاج ارتفاع الضغط يستمر سنوات طويلة ، أو طول العمر.

مجموعات الأدوية الخافضة للضغط المرتفع
1ـ مدرات البول(Diuretics):
ظلت مدرات البول علاج ضغط الدم المرتفع لسنوات عديدة وكانت مجموعة الثيازايد التي اكتشفت في بداية الخمسينات من القرن الماضي ، هي أول مجموعة حديثة وفعالة من مدرات البول.
وقد أثبتت علاج ارتفاع الضغط بهذه الأدوية نجاحاً في منع حدوث مضاعفاته الخطيرة، مثل نزيف المخ وهبوط القلب. ومازالت هذه الأدوية شائعة الاستعمال في علاج الضغط المرتفع على الرغم من اكتشاف عقاقير جديدة، وتمتاز مدرات البول برخص ثمنها في كثير من الحالات (نحو 50%) ،وأيضاً سهولة استعمالها بواسطة المريض حيث يتم تناولها مرة واحدة يومياً أو كل يومين ، إلى جانب ندرة آثارها الجانبية ، ولكن تناول هذه الأدوية ، من ناحية أخرى ، قد يؤدي إلى خفض مستوى البوتاسيوم في الدم وارتفاع معدل حمض البوليك والسكر وبعض الدهون. كذلك قد يؤدي العلاج بهذه الأدوية إلى ضعف القدرة على الانتصاب لدى حوالي 15% من المرضى الذكور، وتعد مدرات البول هي العقار الأمثل لخفض ضغط الدم لدى المرضى المسنين ، أو ذوي البشرة السمراء ، أو عند وجود سمنة مفرطة وازدياد حجم السوائل في الجسم ، وأيضاً في حالات هبوط القلب.

2ـ مضادات بيتا العصبية:
يتمثل الأثر العلاجي لهذه المجموعة في أنها تقوم بشغل المستقبلات العصبية الموجودة في جدران الأوعية الدموية ، مما يؤدي إلى انخفاض الضغط المرتفع .ولكن انخفاض الضغط في هذه الحالة مصحوباً ببطء في سرعة نبضات القلب. وتتميز هذه المجموعات بفاعلية تماثل فاعلية مدرات البول . وهي لا تسبب أي تأثيرات كيميائية سلبية على أملاح الدم ، إلا أنه قد تحدث أحياناً زيادة في نسبة بعض الدهون . ويمكن تناول هذه العقاقير مرة واحدة في اليوم ، كما أنها رخيصة الثمن.
وتعتبر "مضادات بيتا" هي الأدوية المفضلة في حالات ارتفاع الضغط المصحوب بالذبحة الصدرية أو أمراض الشريان التاجي.كما يوصى بها في حالات ارتفاع الضغط لدى الشباب ، وعند وجود زيادة في سرعة ضربات القلب ، أو في بعض الحالات التي يشكو فيها المريض من رعشة بالأطراف أو الصداع النصفي . إلا أنه يحظر استخدامها في حالات الربو الشعبي ، أو حالات هبوط القلب الاحتقاني الشديد أو بطء ضربات القلب الزائد . ومن الآثار الجانبية لهذه المجموعة برودة الأطراف خاصة في الشتاء ، والشعور بالتعب عند بذل مجهود زائد.

3ـ مضادات النشاط العصبي السمبثاوي:
تشمل هذه المجموعة عديداً من المركبات التي تعمل على تقليل فاعلية الجهاز العصبي السمبثاوي عند مستويات مختلفة ، فهي إما أن تؤثر على المراكز الرئيسية في المخ ، أو تؤثر في النهايات العصبية الموجودة في جدران الأوعية الدموية.

أـ مركبات الراوولفيا : وهي من أقدم العقاقير الخافضة لضغط الدم , ويتم استخراجها من نبات معين موطنه الهند . ومن أشهر هذه المركبات عقار السيربازيل ، وهو ذو فاعلية محدودة في خفض ضغط الدم ، فضلاً عن آثاره الجانبية العديدة مثل الميل للنعاس والكسل والاكتئاب وزيادة حموضة المعدة . لذلك فمن النادر استعمال هذه المركبات حالياً.

ب ـ الألدومت والكلونيدين: تؤثر هذه المجموعة على مراكز الجهاز العصبي السمبثاوي مما يؤدي إلى تقليل نشاطه المركزي ، وبالتالي خفض ضغط الدم ، وتتميز هذه المركبات بمفعولها السريع إلا أنها تفقد فاعليتها إذا تناول المريض معها مدرات للبول. ومن الآثار الجانبية لهذه المجموعة : الميل للنعاس ، وجفاف الحلق ، والميل للاكتئاب ،وحدوث رد فعل شديد (في صورة ارتفاع مفاجئ في الضغط) عند التوقف عن العلاج بصورة مفاجئة.

جـ ـ مضادات ألفا العصبية: تتأثر هذه المستقبلات العصبية الموجودة في جدران الأوعية الدموية بهرمون النور أدرينالين ، وتعمل على انقباض الأوعية الدموية عند تنشيطها . وهي تخلو من الآثار الجانبية الشائعة في المجموعات السابقة ، إلا أن المريض قد يتعرض لانخفاض كبير في ضغط الدم عند انتقاله من وضع الجلوس إلى وضع الوقوف.

دـ مثبطات الإنزيم المحول : سبقت الإشارة إلى دور هذا الإنزيم في تحويل مادة أنجيوتنسين-1 إلى مادة أنجيوتنسين-2الشديدة الفاعلية في رفع ضغط الدم. وتعمل هذه المجموعة على شل فاعلية هذه الإنزيم ، ومن ثم تمنع تكوين مادة أنجيوتنسين-2 . وقد استخدمت هذه المركبات لأول مرة في علاج الضغط المرتفع في الثمانينات من القرن العشرين.
وتمتاز هذه المجموعة بعدم تأثيرها على مستويات السكر والدهون في الدم ، بالإضافة إلى أنها تعمل على الحد من التضخم في جدران الأوعية الدموية والبطين الأيسر للقلب، وحماية الغشاء المبطن للشرايين ، وتأخير التدهور في وظائف الكليتين لدى مرضى السكر. وتستخدم هذه المركبات أيضاً في حالات هبوط القلب بعد انسداد الشريان التاجي. وتتضمن أهم الآثار الجانبية لهذه المجموعات الكحة أو الشعور بشرقة تضايق المريض ولا يمكن علاجها إلا بالتوقف عن تعاطي هذه الأدوية. ومن عيوب هذه المجموعة ارتفاع ثمنها، كما أنه يجب توخي الحذر الشديد عند استخدامها في حالات النقص الكبير للسوائل والملح بالجسم وعلاوة على أنه يحظر استعمالها في حالة السيدات الحوامل.

هـ ـ مضادات الكالسيوم : وهي من الأدوية الحديثة لعلاج الضغط المرتفع . وتحدث هذه المجموعة تأثيرها من خلال خفض مستوى عنصر الكالسيوم داخل خلايا الأوعية الدموية ـ عن طريق التحكم في حركة هذا العنصر من خارج الخلية إلى داخلها ، ويؤدي هذا بالتبعية إلى اتساع الأوعية الدموية وانخفاض الضغط. وبعض هذه المضادات يؤثر مباشرة على القلب وبيطئ من سرعة النبض، بينما يقوم البعض الآخر بمنع انقباض الشرايين التاجية. ولهذا تعتبر من الأدوية المهمة لعلاج حالات الذبحة الصدرية.ومن ميزات هذه المضادات أنها لا تؤثر على مستوى دهون أو سكر أو أملاح الدم، ولا توجد موانع لاستعمالها لدى الغالبية العظمى من مرضى الضغط. إلا أن لها بعض الآثار الجانبية مثل الصداع واحمرار الجلد والإمساك وتورم الساقين والإحساس بضربات القلب ، إلا جانب أنها مرتفعة الثمن.

و ـ مضادات مستقبلات الأنجيوتنسين: وهي أحدث مجموعة من العقاقير تدخل ساعة علاج ضغط الدم المرتفع ، حيث بدأ استخدامها لأول مرة في منتصف التسعينات من القرن الماضي. وهي تماثل في تأثيرها مثبطات الإنزيم المحول ، إلا أنها تتميز بخلوها من الآثار الجانبية.