العلاج الدوائي

نود في البداية أن نذكر بحقيقة مهمة ، وهي أن مرض ضغط الدم المرتفع مازالت أسبابه الرئيسية غير معروفة ، ومن ثم لا يوجد له علاج شاف قاطع. أما العلاج بالعقاقير فيؤدي إلى خفض الضغط المرتفع لكنه لا يستأصل شأفة المرض. وقد أشرنا من قبل إلى أن علاج ارتفاع الضغط يستمر سنوات طويلة ،وفي الغالب طوال حياة المريض. من هنا كان اتخاذ القرار ببدء العلاج الدوائي بمثابة خطوة مهمة وخطيرة ، حيث تعني أنه حكم على المريض أن يتناول الأدوية الخافضة للضغط لمدى الحياة دون توقف. لذلك فليس من المنطق أو التفكير السليم أن يكون اكتشاف زيادة في الضغط عند قياسه مرة واحدة أو مرتين ، مبرراً لتقييد المريض بالعلاج الدوائي طوال حياته.وهكذا فإن أول خطوة يتعين على الطبيب أن يتخذها عند متابعة مريض الضغط ، هي التأكد من ارتفاع الضغط خلال زيارات متكررة للعيادة . فليس هناك داع للعجلة في وصف الأدوية إلا في الحالات الشديدة الطارئة ، وهي حالات نادرة الحدوث . ويجب أن يتم قياس الضغط بالطريقة التي سبق أن سبق شرحها في الفصل الخاص بطريقة القياس.

والمريض بدوره عليه التزامات قبل البدء في العلاج الدوائي . إذ يتعين عليه العمل على إنقاص الوزن ، والإقلال من كمية الملح والدهون ومنتجات الألبان في الطعام ، مع الإكثار من تناول الفاكهة والخضراوات ، وممارسة الرياضة والاسترخاء ، وتجنب المشروبات الكحولية والعقاقير التي قد تسبب ارتفاع الضغط.

ــ يجب اتباع العلاج غير الدوائي لفترة قد تصل إلى ستة شهور أو سنة قبل التفكير في اللجوء إلى العقاقير الخافضة للضغط . وقد تطول فترة المتابعة أو تقصر حسب درجة استجابة الضغط المرتفع للعلاج.

وهناك عوامل ثلاثة يجب أخذها في الحسبان عند متابعة مريض الضغط:
ـــ أولاً : مستوى الضغط ودرجة استجابة الحالة للعلاج غير الدوائي.
ـــ ثانياً : وجود مضاعفات للضغط المرتفع مثل تضخم البطين الأيسر ، أو ملاحظة تغيرات في رسام القلب الكهربي أو قصور في الدورة التاجية أو ضيق في شرايين المخ والأطراف ، أو ظهور مؤشرات على بداية قصور بالكليتين كارتفاع مستوى الكرياتنين في الدم ، أو حدوث تغيرات في شرايين قاع العين . وبمجرد اكتشاف هذه المضاعفات لدى مريض الضغط يجب الإسراع ببدء العلاج الدوائي.

ـــ ثالثاً : وجود عوامل أخرى لها تأثير مشجع على حدوث تصلب الشرايين مثل زيادة سكر الدم أو الإصابة بمرض البول السكري ــ السمنة ــ زيادة مستوى الكوليسترول والدهون بالدم ـ وجود تاريخ وراثي للوفاة الفجائية أو حدوث نزيف بالمخ في سن مبكرة بين الأقارب من الدرجة الأولى.
وفي حالات ارتفاع الضغط غير المصحوب بمضاعفات أو عوامل مشجعة على حدوث تصلب الشرايين يجب إرجاء وصف الأدوية الخافضة للضغط لفترة قد تزيد على ستة شهور ، خاصة إذا كانت الحالة تستجيب للعلاج غير الدوائي ، أو لم يصل ارتفاع الضغط إلى معدلات كبيرة . وخلال هذه الفترة يجب متابعة حالة المريض وقياس الضغط مرة كل شهر ، وتشجيع المريض على المضي قدماً في العلاج غير الدوائي مع معالجة أي أمراض أخرى ، مثل السكر أو زيادة دهون الدم.
أما في حالات ارتفاع الضغط المتوسطة أو المصحوبة بمضاعفات أو بوجود عوامل مشجعة على تصلب الشرايين ، فإنه يجب المبادرة بإعطاء العلاج الدوائي بعد فترة لا تزيد على أسابيع قليلة من بداية المتابعة ، مع قياس الضغط مرة كل أسبوع.

كيفية اختيار العقار المناسب لمريض الضغط المرتفع:

هناك قائمة طويلة ومتزايدة من الأدوية الخافضة للضغط المرتفع .وهي تختلف عن بعضها البعض حسب التركيب الكيميائي وطبيعة تأثيرها على أجهزة الجسم ،وحسب طريقة خفضها للضغط. كذلك تختلف هذه الأدوية فيما بينها حسب السعر والآثار الجانبية ،ودرجة تقبل المريض لكل منها.

وفي بداية العلاج يهتم الطبيب بتقييم الحالة الصحية العامة لمريض الضغط ، والكشف عما إذا كان يعاني من أمراض أخرى قد تؤثر في اختيار العقار ، والتأكد مما إذا كان قد تعرض لظهور حساسية أو آثار جانبية نتيجة تعاطي عقاقير معينة من السابق. فإذا لم يوجد مبرر قوي لاستخدام عقار بعينه ، فإنه يفضل أن يبدأ المريض العلاج بتناول أدوية زهيدة الثمن مثل مدرات البول أو مضادات بيتا العصبية . فهذه العقاقير فضلاً عن رخص ثمنها ـ وهذه نقطة لها اعتبارها عند وصف دواء سيتناوله المريض لسنين طويلة ـ فإنه يمكن تناولها مرة واحدة فقط يومياً . ويجب أن يعاود المريض قياس الضغط بعد مرور فترة تتراوح بين أسبوعين وأربعة أسابيع من بدء العلاج . فإذا ما تبين وجود استجابة ولو بسيطة للعلاج ، فإنه يجب الاستمرار في تناول العقار مع معاودة قياس الضغط بعد شهر آخر. إذ أن الأثر العلاجي للعقار يصل إلى أقصى مدى له بعد مرور شهرين من العلاج ، لذلك لا يجب التفكير في زيادة الجرعة ، أو تغيير العقار بآخر قبل انقضاء شهر إلى شهرين من بدء العلاج.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك حالات مرضية معينة تفرض اختيار أنواع خاصة من العقاقير الخافضة للضغط مثل: مرض السكر ، وأمراض الشرايين التاجية ، والفشل الكلوي ،وهبوط القلب. كذلك قد يتوقف اختيار العقار المناسب الخافض للضغط على سن المريض ، ولون الجلد ، ووجود أمراض أخرى يمكن علاجها عن طريق هذه العقاقير مثل اضطراب ضربات القلب أو الصداع النصفي أو رعشة الأطراف أو تضخم البروستاتا . وقد يتأثر اختيار الدواء بديناميكية الدورة الدموية للمريض ، وسرعة ضربات القلب ، وحجم السوائل في الجسم ، ودرجة نشاط الجهاز العصبي السمبثاوي وجهاز الرينين ـ أنجيوتنسين . وهكذا يتبين أن اختيار العقار المناسب لعلاج كثير من حالات ارتفاع الضغط يخضع لمعايير موضوعية دقيقة ومدروسة جيداً.