ضغط الدم الطبيعي

المقصود بضغط الدم عادة هو الضغط داخل شرايين الجسم الرئيسية الناتج من دفع القلب للدم ومقاومة الشرايين الطرفية لمروره ، فالدم المؤكسد يتدفق من القلب نتيجة انقباض البطين الأيسر حيث يصل إلى الشريان الأورطي(الأبهر)ــ هو الشريان الرئيسي للجسم
The arteries of the body
الذي يتفرع إلى الشرايين عديدة تغذي أجهزة الجسم المختلفة ، وهذه لا تلبث أن تتفرع بدورها إلى شرايين طرفية صغيرة ، فشعيرات دموية دقيقة تتخلل الأنسجة والخلايا . ثم يعود الدم غير المؤكسد عن طريق الأوردة إلى القلب مرة أخرى.
ويعبر عن ضغط الدم برقمين : الرقم الأعلى يمثل الضغط الدم السيستولي أو الانقباضي ، والرقم الأدنى يمثل ضغط الدم الدياستولي أو الانبساطي ويشير الرقم الأعلى إلى أقصى قيمة للضغط أثناء الدورة القلبية والتي يصل إليها أثناء انقباض البطين الأيسر بعد فتح الصمام الأورطي . أما الرقم الأدنى فيشير إلى القيمة التي يبلغها الضغط أثناء انبساط البطين الأيسر وغلق الأورطى . ويصل ضغط الدم الطبيعي في الشخص البالغ السليم إلى 120/80 ملليمتراً من الزئبق . لكن ضغط الدم ، مثله مثل كثير من القياسات الحيوية في الجسم ، عرضة للتغير في حدود ضيقة داخل المعدلات الطبيعية.
إذ يرتفع الضغط مع المجهود الجسماني والانفعالات النفسية ، وينخفض أثناء النوم وفي فترات الاسترخاء . كذلك يتغير ضغط الدم على مدار الأربع والعشرين ساعة ، فهون يزداد في الساعات المبكرة من الصباح وفي بداية اليوم ثم ينخفض تدريجياً ليصل إلى أدنى مستوى له أثناء النوم عند منتصف الليل . وجدير بالذكر أن ضغط الدم عند الأطفال يكون أقل منه عند البالغين . ويزيد الضغط الانقباضي مع تقدم السن , وإن ظل في الحدود الطبيعية عند الأصحاء . ويعتبر ارتفاع الضغط عن المعدلات الطبيعية ، حتى في كبار السن ، حالة مرضية تستوجب العلاج والمتابعة.

ضغط الدم الطبيعي:
يعتبر الاحتفاظ بضغط الدم داخل شرايين الجسم في الحدود الطبيعية أمراً ضرورياً لضمان تغذية أجهزة الجسم المختلفة وقيامها بعملها بصورة مرضية . فمثلاً إذا انخفض الضغط عن معدله الطبيعي، أدى ذلك إلى الإقلال من تدفق الدم لأعضاء الجسم واختلال
 blood pressure
الدورة الدموية في الأطراف وفي مختلف أنحاء الجسم . ويتحكم في تحديد ضغط الدم عاملان رئيسيان : العامل الأول هو مقدار مقاومة الشرايين الدقيقة الطرفية لمرور الدم ، والثاني هو كمية الدم المتدفقة خلال الشرايين ،والناتجة عن انقباض القلب وضخه للدم الذي يصله عن طريق الأوردة الرئيسية . تخضع مقاومة الشرايين الطرفية لمرور الدم لنظام محكم يحدد مقدار اتساعها وضيقها طبقاً لاحتياجات أعضاء الجسم المختلفة ، والتي قد تتغير من لحظة لأخرى حسب ظروف الجسم الداخلية والظروف البيئية الخارجية . ويلعب الجهاز العصبي اللاإرادي دوراً مهماً في التحكم في سرعة استجابة الشرايين الطرفية الدقيقة للاتساع والضيق ، عن طريق النبضات العصبية التي تصل إلى جدران هذه الشرايين في أجزاء من الثانية . كذلك تتأثر الشرايين ، اتساعاً أو ضيقاً بالتغير في منسوب الإفرازات المختلفة التي ينتجها عدد آخر من أجهزة الجسم ، أو المواد التي يقوم بتصنيعها النسيج المبطن للشرايين نفسها . فالهرمونات التي تفرزها الغدة الكظرية (غدة فوق الكلية) بشقيها (القشرة واللحاء) وجهاز الرينين ـ أنجيوتنسين ، وإفرازات الفص الخلفي للغدة النخامية , والهرمونات الناتجة من أذين القلب ، بالإضافة إلى العشرات من المواد والهرمونات التي يفرزها الغشاء الداخلي المبطن للشرايين ـ كلها تلعب دوراً مباشراً في تنظيم مقاومة الشرايين الطرفية عن طريق التحكم في اتساعها أو ضيقها . هذا إلى جانب تأثير هذه المواد والهرمونات على كمية الدم والسوائل داخل الجسم من خلال التحكم في إدرار الملح والماء في البول . وتعمل هذه الأجهزة المختلفة مع بعضها البعض في انسجام وتوافق كاملين للمحافظة على المستوى الطبيعي لضغط الدم . فبعض هذه الأجهزة يعمل بصفة مستمرة ، بينما يقوم البعض الآخر بمراقبة أي تغير ولو طفيف في مستوى الضغط ، حيث ينشط ليحد من عمل الأجهزة المسئولة عن هذا التغير ، بطريقة تضمن الحفاظ على الضغط في حدوده الطبيعية.

دور الكليتين:
تلعب الكليتان دوراً مهما في ضغط الدم ، فهي تتحكم في حجم السوائل بالجسم بما فيها كمية الدم داخل الأوعية الدموية التي يمكنها أن تؤثر في مستوى ضغط الدم . علاوة على هذا ، تؤثر الكليتان تأثيراً مباشراً على إفراز عدد من الهرمونات التي تتحكم في ضغط الدم كما تعتبران المقر الرئيسي لجهاز الرينين أنجيوتنسين المهم الذي يؤثر على عدد من أجهزة الجسم المختلفة ، وينظم ضيق واتساع الأوعية الدموية . وقد أصبح هذا الجهاز الحيوي هدفاً رئيسياً للعقاقير الطبية الحديثة المستخدمة في علاج ضغط الدم المرتفع.

إدرار الماء والملح عن طريق الكليتين:
في الأشخاص الأصحاء ، لا يؤدي تناول كميات كبيرة من الماء والملح إلى تغير ملحوظ في ضغط الدم . إذ تحدث زيادة مؤقتة في كمية الدم بالجسم تؤدي إلى زيادة مماثلة في حجم الدم الوارد للقلب ، ومن ثم يزداد حجم الدم الذي يضخه القلب (الصادر من القلب)
Kidneys
ويتبع ذلك انقباض مؤقت في الأوعية الدموية ، مما يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم بصفة مؤقتة . ويعمل ارتفاع ضغط الدم هذا على زيادة إدرار الماء والملح من الكليتين . وفي غضون أيام قليلة تصبح الكمية المفرزة من الماء والملح عن طريق الكليتين مساوية للكمية التي تدخل الجسم منهما ، ولا يلبث أن يعود كل من حجم الدم والضغط إلى معدلاته الطبيعية.
ومن الناحية أخرى ، تؤدي زيادة سوائل الجسم وارتفاع حجم الدم داخل الشرايين إلى تثبيط عمل جهاز الرينين أنجيوتنسين ، والإقلال من إفراز إنزيم الرينين ، وانخفاض مستوى هرمون الأنجيوتنسين ـ مما يؤدي إلى انخفاض ضغط الدم . كما تؤدي زيادة حجم الدم إلى زيادة إفراز هرمون خاص ينتجه القلب ، وهو يعمل على زيادة إدرار الملح من الكليتين وعلى اتساع الأوعية الدموية ، مما يؤدي إلى انخفاض ضغط الدم.
مما سبق يتضح أن كمية السوائل وحجم الدم في الجسم وضغط الدم ، لدى الأصحاء ، لا تتأثر كثيراً بتناول كميات زائدة من الملح والماء ، بل تخضع جميعها لنظام محكم دقيق يعمل على الاحتفاظ بضغط الدم عند معدلاتها الطبيعية . ولكن في الأحوال المرضية المؤدية إلى ارتفاع الضغط ، وفي ظل وجود استعداد وراثي ، تقل كفاءة الأجهزة السابقة وتزداد حساسية الجسم لعنصر الصوديوم (المكون الرئيسي لملح الطعام ) مما يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم.

جهاز الرينين ـ أنجيوتنسين:
الرينين هو إنزيم تصنعه الكليتان ويقوم بتحليل(تكسير) البروتينات ، ومن بينها بروتين خاص يسمى الأنجيوتنسينوجين مصدره الرئيسي الكبد وموجود في الدم . ويحول الرينين هذا البروتين المكون من عدد كبير من الأحماض الأمينية إلى بروتين مكون من
Renin
عشرة أحماض أمينية يعرف باسم أنجيوتنسين رقم وهو ذا فاعلية محدودة ولكن عن طريق إنزيم آخر يعرف باسم الإنزيم المحول ، يتم تحويل البروتين أنجيوتنسين رقم إلى بروتين أنجيوتنسين رقم 2 . وهذا البروتين الأخير عبارة عن مادة شديدة الفاعلية مكونة من ثمانية أحماض أمينية ، وهو يقوم بالتأثير المباشر على الأوعية الدموية فيسبب انقباضها وضيقها . كذلك يزيد الأنجيوتنسين رقم 2 من نشاط الجهاز العصبي اللاإرادي(السمبثاوي) , ويؤثر على قشرة الغدة فوق الكلية (الكظرية) فيزيد من إدرار هرمون الألدوستيرون المنظم لعنصري الصوديوم والبوتاسيوم في الدم والذي يحجز الصوديوم (الملح) داخل الجسم . كما يؤثر الأنجيوتنسين رقم 2 تأثيراً مباشراً على الجهاز العصبي المركزي ، فيزيد من الشعور بالعطش ، ويكثر من إدرار هرمون النصف الخلفي للغدة النخامية المختص بحجز الماء في الجسم . وتؤدي محصلة عمل البروتين أنجيوتنسين رقم 2 إلى ارتفاع ضغط الدم وذلك عن طريق زيادة مقاومة الشرايين الطرفية لتدفق الدم ، وزيادة كمية السوائل في الجسم . ومن ذلك يتضح أهمية جهاز الرينين أنجيوتنسين كأحد الأجهزة الرئيسية المختصة بالاحتفاظ بضغط الدم عند حدوده الطبيعية في حالات فقدان الجسم للسوائل والملح.
وبالإضافة إلى الأثر العام لجهاز الرينين ـ أنجيوتنسين السابح في الدم (مصدره الرئيسي الكليتان) ، يقوم عدد من أجهزة الجسم بنفسه بتصنيع احتياجاته من مادة الأنجيوتنسين ـ 2 الفعالة التي تعمل على تنظيم تدفق الدم موضعياً.
وقد أصبح جهاز الرينين ـ أنجيوتنسين الحيوي بشقيه العام والمحلي محط اهتمام العلماء ، وتم اكتشاف اختلال في عدد المورثات (الجينات) التي تتحكم في إنتاج مكوناته المختلفة عند مرضى ضغط الدم المرتفع. وجدير بالذكر أن العديد من الأدوية الحديثة الفعالة في علاج ضغط الدم المرتفع تعتمد في تأثيرها على تثبيط فاعلية هذا الجهاز , ومن ثم الإقلال من إنتاج مادة الأنجيوتنسين ـ 2 أو منع وصولها إلى مستقبلاتها في جدران الأوعية الدموية ، مما يؤدي إلى انخفاض ضغط الدم.

الجهاز العصبي اللاإرادي:
منذ أن تبين العلماء أهمية ضغط الدم وإمكانية قياسه بدقة ، أمكنهم اكتشاف العلاقة الوثيقة التي تربط بين تغيرات الضغط ونشاط الجهاز العصبي اللاإرادي ، وكيف أن حالات الانفعال الشديدة مثلاً تسبب ارتفاع الضغط ، ويلعب شق الجهاز العصبي اللاإرادي ، المعروف بالشق السمبثاوي ،دوراً أساسياً في تنظيم الضغط ، فالنبضات العصبية السارية في فروع هذا الجهاز السمبثاوي التي تصل إلى شرايين الجسم المختلفة ، تعمل على انقباض هذه الشرايين وزيادة مقاومة الشرايين الطرفية الدقيقة مما يؤدي إلى ارتفاع الضغط . وجدير بالذكر أن تنظيم عمل الجهاز السمبثاوي وفقاً لاحتياجات الجسم والظروف البيئية المتغيرة ، يتم عن طريق عدد من الدوائر العصبية والمنعكسات العصبية ومراكز الجهاز العصبي المركزي . وتعتمد الدائرة الرئيسية لتنظيم عمل الجهاز السمبثاوي على نظام متدفق من النبضات العصبية الكهربية ، الصادرة من أجسام عصبية ذات حساسية خاصة للتغيرات في الضغط واتساع وضيق الشرايين . وتوجد هذه الأجسام بالشرايين الأورطي(الأبهر) بالصدر , وبأحد فروعه الرئيسية بالعنق(الشريان السباتي ـ الكاروتيد) . وتصل هذه النبضات الكهربية إلى الجهاز العصبي المركزي في النخاع المستطيل ، وفي المنطقة المختصة بتنظيم تدفق النشاط السمبثاوي ، فتعمل على تثبيط النشاط السمبثاوي ، مما يؤدي إلى التقليل من النبضات المسببة لانقباض الشرايين فينخفض الضغط ، .... في حين يحدث العكس عند انخفاض الضغط ، حيث ترقب الأجسام العصبية باستمرار معدلات الضغط داخل الشريان الأورطي والشريان الرئيسي السباتي الذي يحمل الدم إلى المخ ، فتغير من معدل إرسال النبضات العصبية حسب حالة الجسم حتى تحتفظ بضغط الدم داخل حدوده الطبيعية.
ولا يقتصر دور مراكز الجهاز العصبي اللاإرادي في النخاع المستطيل على ما سبق ذكره فقط ، بل إن هذه المراكز تتصل بدوائر عصبية تصلها بمراكز عصبية في قشرة المخ العليا تكون مسئولة عن العواطف والإدراك والشعور بالألم . كما تقوم فروع الأعصاب التابعة للجهاز السمبثاوي بالتغذية العصبية للغدة فوق الكلية المسئولة عن إفراز هرمون الأدرينالين . وهذا الهرمون الأخير يعمل على زيادة سرعة انقباض عضلة القلب ، فتزداد كمية الدم الصادر من القلب، وبالتالي يرتفع الضغط . لذلك يتأثر الضغط بالانفعال والغضب واليقظة والنوم والمجهود الجسماني والألم.